" من كان الله معه فما فقد أحدًا
و من كان الله عليه فما بقي له أحد"
السلام الروحي يأتي قبل الهناء العاطفي، فهو أهمّ من الحبّ. كلّ عاطفة لا تؤمّن لك هذا السلام هي عاطفة تحمل في كينونتها مشروع دمارك.
أمام كلّ المشاكل العاطفيّة أو النفسيّة تحصني بالإيمان، و جاهدي الحزن بالتقوى. بقدر إيمانك يسهل خروجك من محن القلب و فوزك بنعمة النسيان؛ لأنّ الإيمان يضعك في مكانة فوقيّة يصغر أمامها ظلم البشر.
عليك بالصلاة؛ إن صلّيت صلاة يحضر فيها قلبك فسيغيب عن فكرك أيّ أحد و أيّ شيء عدا الله، و تكونين قد تجاوزت النسيان إلى الطمأنينة، و هي أعلى مراتب السعادة النفسيّة. " ألا بذكر الله تطمئن القلوب ".
كان مسلم بن يسار في المسجد فانهدّت طائفة من المسجد، فقام الناس و لم يشعر أن اسطوانة المسجد قد انهدت. و كان يقول لأهله إذا دخل في صلاته " تحدّثوا فلست أسمع حديثكم ".
و قد بلغ من زهد يعقوب الحضرمي أن سُرق رداؤه عن كتفه و هو في الصلاة و رُدّ إليه و لم يشعر.
أطيلي صلاتك حتى لا تعودي تنتبهي إلى من سرق قلبك، إن كان أخذه.. أم ردّه.
إبكي نفسك إلى الله و أنت بين يديه. و لا تبكي في حضرة رجل يخال نفسه إلها، يتحكّم بحياتك و موتك، و يمنّ عليك بالسعادة و الشقاء متى شاء.
البكاء بين يدي الله تقوى و الشكوى لغيره مذلّة. هل فكّرت يوما أنّك غالية على الله ؟
اسعدي بكلّ موعد صلاة. إنّ الله بجلاله ينتظرك خمس مرات في اليوم. و ثمّة مخلوق بشري يدبّ على الأرض يبخل عليك بصوته و بكلمة طيّبة.
ما حاجتك إلى " صدقة " هاتفيّة من رجل. إن كانت المآذن ترفع آذانها من أجلك، و تقول لك خمس مرات في اليوم أن ربّ هذا الكون ينتظرك و يحبّك.
***
'' لقد حررني الله فليس لأحد أن يأسرني ''
يوم أحببتك ، تمنيت لو أني متُّ قبل أن نلتقي خشية أن نفترق . و حين افترقنا ، أدركت أن في إمكان المرء أن يموت أكثر من مرة . عندها ، ما عُدت أخاف الموت . صار الحب خوفي . ثم قرأت قول أوفيد قبل عصور : " الرجال تقتلهم الكراهية ، والنساء يقتلهن الحب " ، فقررت أن أكرهك ، عساك تجرّب الموت مرة واحدة!
عندما تلجأ إلى حبّ جديد لتنسى حبًّا كبيرًا، توقّع ألّا تجد حبًّا على مقاسك .
سيكون موجعًا مزعجًا كحذاء جديد. تريده لأنّه أنيق و ربما ثمين . لأنّه يتماشى مع بذلتك، لكنّه لا يتماشى مع قلبك، و لن تعرف كيف تمشي به. ستُقنع نفسك، لمدّة قصيرة أو طويلة، أنّك إن جاهدت قليلًا بإمكانك انتعاله. لكنّ " صانع الحذاء يريدنا أن نتألم كي نتذكّره ". ستدّعي أن الجرح الذي يتركه على قدمك هو جرح سطحي يمكن معالجته بضمادة لاصقة . كلّ هذا صحيح، لكنّك غالبًا ما لا تستطيع أن تمشي بهذا الحذاء مسافات طويلة. قدمك لا تريده . لقد أخذت على حذاء قديم مهترئ.. مشت به سنوات. لهذا قال القدماء " قديمك نديمك " و أنت في كلّ خطوة تتقدّمها لا تملك إلّا أن تعود بقلبك إلى الوراء.
عجيبة هي الحياة بمنطقها المعاكس. أنت تركض خلف الأشياء لاهثاً، فتهرب الأشياء منك. وما تكاد تجلس وتقنع نفسك بأنها لا تستحق كل هذا الركض، حتى تأتيك هي لاهثة. وعندها لا تدري أيجب أن تدير لها ظهرك أم تفتح لها ذراعيك، وتتلقى هذه الهبة التي رمتها السماء إليك، والتي قد تكون فيها سعادتك، أو هلاكك؟
ثمة نوعان من الشقاء؛ الأول ألا تحصل على ما تتمناه، والثاني أن يأتيك وقد تأخر الوقت و تغيّرت أنت، وتغيّرت الأمنيات، بعد أن تكون قد شقيت بسببها بضع سنوات!
هو لن يعود طالما أنت في انتظاره.
أنت لن تكسبيه إلّا بفقدانه لك. و لن تحافظي عليه إلّا بحرمانه منك.
ثمّة رجال لا تكسبينهم إلّا بالخسارة. عندما ستنسينه حقًّا، سيتذكّرك. ذلك أنّنا لا ننسى خساراتنا !
صديقتي هذه نموذج لآلاف النساء العربيّات اللائي يقدّمن سنوات من عمرهنّ قربانًا لرجل لم يقدّم لهنّ سوى الوعود. و يرين الحبّ ارتهانًا لشخص ليس بالضرورة رهينة لهن بل لمزاجه و أفكاره المسبقة و عقده و تطلعاته الشخصيّة.
رجل كالزواحف يتخلّص من جلده و من ماضيه دون عناء. و وحدها المرأة تعيش مزدحمة بكراكيب الذاكرة. تحفظ التواريخ عن ظهر قلب. و تحتفظ بالرسائل الهاتفيّة كما لو كانت سندات ملكيّة. و تعيد استنساخ " الرسائل الهاتفيّة " في دفاتر خاصّة بدقائقها و ثوانيها كي تستعيد الزمن العشقيّ و تباهي به أمام نفسها وأمام الحبّ. لكأنّها كانت تدري أنّها ذات يوم لن تملك إلّا ما وثّقت من تفاصيل دليلًا على أنّه حقًا مرّ بحياتها .
يا للغباء.
كل يوم حين أستيقظ أقول
"سأنساك اليوم أيضاً"
كل يوم
منذ أيام
لم يحدث أن نسيت
أن أنساك
تكمن قوة الصمت الرجالي في كونه سلاحا تضليليا . إنه حالة التباس كتلك البدلة المرقطة التي يرتديها الجنود كي يتسنّى لهم التلاشي في أيّة ساحة للقتال . إنّهم يأخذون لون أيّ فضاء يتحرّكون فيه .
إنّه صمت الحرباء.. لو كان للحرباء صوت. تقف أمامه المرأة حائرة . تتناوب على ذهنها احتمالات تفسيره بحكم خدعة الصمت المتدرّج في ألوانه من إحساس إلى نقيضه .
صمت العشق.. صمت التحدي.. صمت الألم.. صمت الكرامة.. صمت ال
إهانة.. صمت اللامبالاة.. صمت التشفي.. صمت من شفي.. صمت الداء العشقي.. صمت من يريد أن يبقيك مريضًا به.. صمت من يثق أنّه وحده يملك دواءك .. صمت من يراهن على أنّك أوّل من سيكسر الصمت .. صمت من يريد كسرك .. صمت عاشقين أحبّا بعضهما حدّ الانكسار.. صمت الانتقام.. صمت المكر.. صمت الكيد.. صمت الهجر.. صمت الخذلان.. صمت النسيان.. صمت الحزن الأكبر من كلّ الأحزان.. صمت التعالي.. صمت من خانك.. صمت من يعتقد أنّك خنته و يريد قتلك بصمته.. صمت من يعتقد أنّك ستتخلّين عنه يومًا فيتركك لعراء الصمت.. الصمت الوقائي.. الصمت الجنائي.. الصمت العاصف.. و الصمت السابق للعاصفة.. صمت الانصهار و صمت الإعصار.. الصمت كموت سريري الحبّ .. و الصمت كسرير آخر للحبّ ينصهر فيه عاشقان حتى الموت.. الصمت الذي ليس بعده شيء.. و الصمت الذي ينقذ ذلك " الشيء " و منه تولد الأشياء مجدّدًا جميلة و نقيّة و أبديّة بعد أن طهّرها الصمت من شوائب الحبّ .
الصمت اختبار ، طوبى لمن نجح فيه مهما طال . إنّه يفوز إذن بالتاج الأبدي للحبّ .. أو بإكليل الحريّة .
أثناء دفاعنا عن الحبّ، غالبًا ما نرتكب في حقّ من نحبّ أخطاءً لا تغتفر. نقول كلامًا جارحًا عكس الذي نودّ قوله. نهدّد بما ندري أنّنا لن نقدم عليه. ندّعي قيامنا بما لم نفعل.
أمام الخوف من الفقدان، أو تحت تأثير نيران الغيرة، لا عاشق يشبه نفسه. و بقدر قوّة الحبّ يكون عنف العاشقين.
أنت تعذّب الآخر لأنّك تتعذّب به. و أنت تتعذّب به لأنّك ما زلت تحبّه. و كان أسهل أن تقول له هذا. لكن تجد نفسك تقول له العك
س تمامًا لتؤلمه.
و برغم ألمه و عذابه بك سيقلب اللعبة و يعطيك إحساسًا أن لا شيء مما قلته آلمه. و حينها يصبح هدفك أن تدميه. فتقول كلامًا يدميك أنت، و تندم عليه. و سيردّ عليك بما يتركك تنزف لأيّام.. بينما هو ينزف بك على الطرف الآخر!
أمام هذه العواطف الفوّارة المدمّرة لكلا العاشقين يصبح الفراق نوعًا من القتل الرحيم.